تخطى إلى المحتوى
فضل الأذان والإمامة، وثواب المُؤَذِّنين والأئمة - Image 1

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، مَن يَهْدِه الله فلا مُضِلَّ له، ومَن يُضْلِل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه، وعلى آله وأصحابه ومَن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين وسلَّم تسليمًا كثيرًا.

أما بعد:

فإن من فضل الله تعالى على الأئمة والمُؤذِّنين أن جعل لهم الأجر العظيم والثواب الكبير على النحو الآتي:

أولًا: مفهوم الأذان والإقامة

  1. الأذان في اللغة: الإعلام بالشيء، قال الله تعالى: وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ [التوبة:3] أي: إعلام. وقوله: آذَنْتُكُمْ عَلَى سَوَاءٍ [الأنبياء:109] أي: أعلمتُكم فَاسْتَوَيْنَا في العلم.
    والأذان في الشرع: الإعلام بوقت الصلاة بألفاظٍ معلومةٍ مخصوصةٍ مشروعةٍ.
    وسُمِّي بذلك لأن المُؤذِّن يُعْلِم الناسَ بمواقيت الصلاة.
    ويُسَمَّى: النداء؛ لأن المُؤذن يُنادي الناس ويدعوهم إلى الصلاة، قال الله تعالى: وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ [المائدة:58]، وقال: إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ [الجمعة:9].
  2. الإقامة في اللغة: مصدر أقام، من إقامة الشيء؛ إذا جعله مُستقيمًا.
    والإقامة في الشرع: الإعلام بالقيام إلى الصلاة المفروضة بذكرٍ مخصوصٍ مشروعٍ.
    فالأذان إعلامٌ بالوقت، والإقامة إعلامٌ بالفعل، وهي تُسَمَّى: الأذان الثاني والنِّداء الثاني.
  3. الأذان والإقامة فَرْضَا كفايةٍ على الرجال دون النساء للصلوات الخمس المكتوبة، وصلاة الجمعة خامسةُ يومها.
    فهما مشروعان بالكتاب؛ لقول الله تعالى: وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ [المائدة:58]، وقوله : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ [الجمعة:9].
    وبالسنة؛ لقوله في حديث مالك بن الحُوَيْرِث : فإذا حَضَرَت الصلاة فَلْيُؤَذِّنْ لكم أحدكم، وَلْيَؤُمَّكُم أكبركم[1]، فقوله : أحدكم يدل على أن الأذان فرض كفايةٍ[2].
    قال ابن تيمية رحمه الله: "وبالسُّنة المُتواترة أنه كان يُنادَى للصلوات الخمس على عهد رسول الله ، وبإجماع الأُمَّة وعملها المُتوارث خَلَفًا عن سَلَفٍ".

والصواب أن الأذان يجب على الرجال في الحضر والسفر، وعلى المُنفرد، وللصلوات المُؤدَّاة والمَقْضِيَّة، وعلى الأحرار والعبيد[3].

ثانيًا: فضل الأذان

قال الله تعالى: وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ [فصلت:33].

وثبت في فضل الأذان والمُؤذِّنين أحاديث، منها:

  1. المُؤذِّنون أطول أعناقًا يوم القيامة؛ لحديث معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما قال: سمعتُ رسول الله يقول: المُؤَذِّنون أطول الناس أعناقًا يوم القيامة[4].
  2. يطرد الشيطان؛ لحديث أبي هريرة : أن رسول الله قال: إذا نُودِيَ للصلاة أَدْبَرَ الشيطانُ له ضُرَاطٌ؛ حتى لا يسمع التَّأذين، فإذا قُضِيَ التَّأذينُ أقبل، حتى إذا ثُوِّبَ بالصلاة[5] أَدْبَرَ، حتى إذا قُضِيَ التَّثويبُ أقبل، حتى يَخْطُرَ بين المرء ونفسه، يقول له: اذْكُرْ كذا، واذْكُرْ كذا، لِمَا لم يكن يَذْكُر من قبل، حتى يظلَّ الرجلُ ما يدري كم صلَّى[6].
  3. لو يعلم الناسُ ما في النِّداء لَاسْتَهَمُوا عليه؛ لحديث أبي هريرة : أن رسول الله قال: لو يعلم الناسُ ما في النِّداء والصفِّ الأول، ثم لم يجدوا إلا أن يَسْتَهِمُوا عليه[7] لَاسْتَهَمُوا، ولو يعلمون ما في التَّهجير[8] لَاسْتَبَقُوا إليه، ولو يعلمون ما في العَتَمَة[9] والصبح لَأَتَوهُما ولو حَبْوًا[10][11].
  4. لا يسمع صوتَ المُؤذن شيءٌ إلا شهد له، قال أبو سعيدٍ الخدري لعبدالله بن عبدالرحمن بن أبي صَعْصَعَة الأنصاري: "إني أراك تُحب الغَنَم والبادية، فإذا كنتَ في غَنَمك أو باديتك فَأَذَّنْتَ بالصلاة فارفع صوتك بالنداء؛ فإنه لا يسمع مدى صوت المُؤذن جنٌّ ولا إنسٌ ولا شيءٌ إلا شهد له يوم القيامة"، قال أبو سعيدٍ: "سمعتُه من رسول الله "[12].
  5. يُغْفَر للمُؤذن مَدَّ صوته، وله مثلُ أجر مَن صلَّى معه؛ لحديث البراء بن عازب : أن نبيَّ الله قال: إن الله وملائكته يُصلون على الصفِّ المُقدَّم، والمُؤذِّن يُغْفَر له مَدَّ صوته، ويُصَدِّقه مَن سَمِعَه من رطبٍ ويابسٍ، وله مثلُ أجر مَن صلَّى معه[13].
  6. دعاء النبي له بالمغفرة؛ لحديث أبي هريرة قال: قال رسول الله : الإمامُ ضامنٌ[14]، والمُؤذنُ مُؤْتَمَنٌ[15]، اللهم أَرْشِد الأئمة، واغفر للمُؤذِّنين[16].
  7. الأذان تُغْفَر به الذنوب، ويُدْخِل الجنة؛ لحديث عقبة بن عامر قال: سمعتُ رسول الله يقول: يَعْجَبُ ربُّكم من راعي غنمٍ في رأس شَظِيَّةٍ[17] بِجَبَلٍ، يُؤَذِّن بالصلاة ويصلي، فيقول الله : انظروا إلى عبدي هذا، يُؤَذِّن ويُقِيم الصلاة، يخاف مني، قد غفرتُ لعبدي وأَدْخَلْتُه الجنة[18].
  8. عن ابن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله قال: مَن أذَّن ثِنْتَي عشرة سنةً وَجَبَتْ له الجنة، وكُتِبَ له بتأذينه في كل يومٍ ستون حسنةً، ولكل إقامةٍ ثلاثون حسنةً[19].

ثالثًا: مفهوم الإمامة والإمام

الإمامة: مصدرٌ.

وأمَّ الناس: صار لهم إمامًا يتبعونه في صلاته، أي: تقدَّم رجلٌ المصلين؛ ليقتدوا به في صلاتهم.

والإمامة: رياسة المسلمين.

والإمامة الكبرى: رياسةٌ عامةٌ في الدين والدنيا، خِلافةٌ عن النبي ، والخِلافة هي الإمامة الكبرى.

وإمام المسلمين: الخليفة ومَن جرى مجراه.

والإمامة الصغرى: رَبْطُ صلاة المُؤْتَمِّ بالإمام بشروطٍ.

الإمام: كل مَن اقْتُدِيَ به وقُدِّم في الأمور، والنبي إمام الأئمة، والخليفة: إمام الرَّعية، والقرآن إمام المسلمين، وإمام الجُنْد قائدهم.

والإمام جَمْعُه: أئمة.

والإمام في الصلاة: مَن يتقدَّم المُصلين ويُتابعونه في حركات الصلاة.

والإمام: مَن يَأْتَمُّ به الناس من رئيسٍ وغيره، مُحِقًّا كان أو مُبْطِلًا، ومنه: إمام الصلاة.

والإمام: العالِم المُقْتَدَى به.

وإمام كل شيءٍ: قَيِّمُه والمُصْلِح له.

رابعًا: فضل الإمامة في الصلاة

  1. الإمامة في الصلاة ولايةٌ شرعيةٌ ذات فضلٍ؛ لقول النبي : يَؤُمُّ القومَ أَقْرَؤُهم لكتاب الله[20]، ومعلومٌ أن الأقرأ أفضل، فَقَرْنُها بالأقرأ يدل على أفضليتها.
  2. الإمام في الصلاة يُقْتَدَى به في الخير، ويدلُّ على ذلك عموم قول الله في وصفه لعباد الرحمن، وأنهم يقولون في دعائهم لربهم: وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا [الفرقان:74].
    المعنى: اجعلنا أئمةً يُقْتَدَى بنا في الخير.
    وقيل: المعنى: اجعلنا هُداةً مُهتدين، دُعاةً إلى الخير.
    فسألوا الله أن يجعلهم أئمة التقوى، يقتدي بهم أهل التقوى.
    قال ابن زيدٍ: "كما قال لإبراهيم: إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا [البقرة:124]".
  3. وَامْتَنَّ الله على مَن وفَّقه للإمامة في الدين فقال: وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ [السجدة:24] أي: لمَّا كانوا صابرين على أوامر الله وترك نواهيه، صابرين على التعلم والتعليم والدعوة إلى الله، ووصلوا في إيمانهم إلى درجة اليقين -وهو العلم التَّام المُوجِب للعمل- كان منهم أئمةٌ يهدون إلى الحقِّ بأمر الله، ويدعون إلى الخير، ويأمرون بالمعروف، ويَنْهَون عن المُنكر.
  4. دعاء النبي للأئمة بالإرشاد، وللمُؤذِّنين بالمغفرة، كما سيأتي في الحديث.
  5. الإمامة فضلها مشهورٌ، تولَّاها النبي بنفسه، وكذلك خلفاؤه الراشدون، وما زال يتولاها أفضل المسلمين علمًا وعملًا.
    ولا يمنع هذا الفضل العظيم أن يكون الأذان له ثوابٌ أكثر؛ لِمَا فيه من إعلان ذِكْر الله تعالى، ولِمَا فيه من المشقة.
    ولهذا اختلف العلماء في أيِّهما أفضل: الأذان أم الإمامة؟
    فمنهم مَن قال: الإمامة أفضل؛ لِمَا سبق من الأدلة.
    ومنهم مَن قال: الأذان أفضل؛ لقوله : الإمام ضامنٌ، والمُؤذِّن مُؤْتَمَنٌ، اللهم أَرْشِد الأئمة، واغفر للمُؤذِّنين[21]، ومنزلة الأمانة فوق منزلة الضمان وأعلى منها، والمَدْعُو له بالمغفرة أفضل من المَدْعُو له بالرشد، فالمغفرة أعلى من الإرشاد؛ لأن المغفرة نهاية الخير.
    واختار شيخ الإسلام رحمه الله أن الأذان أفضل من الإمامة.
    وأما إمامة النبي وإمامة الخلفاء الراشدين فكانت مُتَعَيِّنَةً عليهم؛ فإنها وظيفة الإمام الأعظم، ولم يمكن الجمع بينها وبين الأذان، فصارت الإمامة في حقِّهم أفضل من الأذان؛ لخصوص أحوالهم، وإن كان لأكثر الناس الأذان أفضل.
  6. عِظَمُ شأن الإمامة وخطرها على مَن استهان بأمرها ظاهرٌ في حديث أبي هريرة ، عن النبي أنه قال: يُصلون لكم، فإن أصابوا فلكم ولهم، وإن أَخْطَؤوا فلكم وعليهم[22].
    والمعنى: يُصلون أي: الأئمة لكم أي: لأجلكم، فإن أصابوا في الأركان والشروط والواجبات والسنن فلكم ثواب صلاتكم، ولهم ثواب صلاتهم، وإن أخطؤوا أي: ارتكبوا الخطيئة في صلاتهم -ككونهم مُحْدِثين- فلكم ثوابها، وعليهم عقابها.
    وعن عُقبة بن عامرٍ قال: سمعتُ رسول الله يقول: مَن أمَّ الناسَ فأصاب الوقتَ فله ولهم، ومَن انتقص من ذلك شيئًا فعليه، ولا عليهم[23].
    وعن سهل بن سعدٍ قال: سمعتُ رسول الله يقول: الإمام ضامنٌ، فإن أحسن فله ولهم، وإن أساء -يعني- فعليه، ولا عليهم[24].

وصلى الله وسلم على نبينا محمدٍ، وعلى آله وصحبه وسلم.

إعداد

سعيد بن علي بن وهف القحطاني

حُرِّرَ في يوم السبت 12/ 6/ 1427ه

^1 رواه البخاري: 628، ومسلم: 674.
^2 قال الحافظ ابن حجر: "واختُلِفَ في السَّنة التي فُرِضَ فيها، فالراجح أنَّ ذلك كان في السنة الأولى -أي: من الهجرة- وقيل: بل كان في السنة الثانية".
^3 ورجَّح سماحة العلَّامة عبدالعزيز بن عبدالله بن باز رحمه الله أن الأذان فرضٌ على الرجال، سواء كانوا أحرارًا أو عبيدًا، أو واحدًا، أو مسافرين، سمعتُه منه في أثناء تعليقه على شرح "الرَّوض المُرْبِع".
^4 رواه مسلم: 387.
^5 التثويب: إقامة الصلاة. ينظر: "النهاية" لابن الأثير: 1/ 226.
^6 رواه البخاري: 608، ومسلم: 389 واللفظ له.
^7 الاستِهَام هو الاقتراع. ينظر: "غريب الحديث" للقاسم بن سلام: 1/ 150.
^8 التَّبكير إلى الصلاة. ينظر: "تهذيب اللغة" للأزهري: 6/ 30.
^9 صلاة العشاء. ينظر: "تهذيب اللغة" للأزهري: 2/ 171.
^10 الحَبْو: أن يمشي على يديه ورُكبتيه أو اسْتِهِ. ينظر: "النهاية" لابن الأثير: 1/ 336.
^11 رواه البخاري: 615، ومسلم: 437.
^12 رواه البخاري: 609.
^13 رواه النسائي: 646، وأحمد: 18506، وصححه الألباني في "صحيح سنن النسائي": 627.
^14 أي: أنه يحفظ الصلاة وعدد الركعات على القوم. ينظر: "معالم السنن" للخطابي: 1/ 156.
^15 أي: أمينٌ في الأوقات، يعتمد الناس على صوته في الصلاة والصيام وسائر الوظائف المُؤقتة. ينظر: "شرح المشكاة" للطيبي: 3/ 915.
^16, ^21 رواه أبو داود: 517، والترمذي: 207، وصححه الألباني في "صحيح الترغيب والترهيب": 237.
^17 الشَّظِيَّة: القطعة المرتفعة في رأس الجبل التي لم تنفصل منه. ينظر: "شرح سنن أبي داود" لابن رسلان: 6/ 127.
^18 رواه أبو داود: 1203، والنسائي: 666، وصححه الألباني في "صحيح سنن النسائي": 642.
^19 رواه ابن ماجه: 728، والطبراني في "المعجم الأوسط": 8733، وصححه الألباني في "صحيح الترغيب والترهيب": 248.
^20 رواه مسلم: 673.
^22 رواه البزار في "مسنده": 8714، والبيهقي في "السنن الكبرى": 4119، والحديث في "صحيح البخاري": 694 دون لفظة: "ولهم".
^23 رواه أبو داود: 580 واللفظ له، وابن ماجه: 983، وصححه الألباني في "صحيح سنن أبي داود": 593.
^24 رواه ابن ماجه: 981، وصححه الألباني في "صحيح الجامع": 2786.